مدخل الحكمة: التصور الإسلامي للحرية
مدخل
تعتبر الحرية من أبرز المفاهيم التي أثارت إشكالات كثيرة في الساحة الفكرية نظرا لاختلاف المرجعيات التي تناولت هذا المفهوم، وبناء على اختلاف تصور معنى الحرية تختلف كذلك ضوابطها وحدودها؛
فما معنى الحرية في الإسلام؟
وما ضوابطها؟
وما حدودها؟
نصوص الانطلاق:
- قال الله عز وجل: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}سورة الإسراء، الآية: 70.
- قال الله تعالى: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها، وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه، بيس الشراب، وساءت مرتفقا} سورة الكهف، الآية: 29.
شرح الكلمات القرآنية:
- كرمنا بني آدم: شرفناهم، ورفعنا من مكانتهم؛
- أحاط بهم سُرادقها: أحاط بهم سورها وهو حائط من لهب النار؛
- ماء كالمهل: المذاب من المعادن؛
- ساءت مرتفقا: ساءت مستقرا ومقاما ومنزلا.
المعاني المستفادة من النصوص:
- النص الأول: ذكر الله تعالى فضله على الإنسان، وامتنانه عليه بتشريفه على سائر خلقه وتسخير البر والبحر له.
- النص الثاني: تخيير الله تعالى للعباد بين الإيمان والكفر مع تحميلهم مسؤولية اختيارهم.
المحور الأول: مفهوم الحرية ومرتكزتها وضوابطها
1ـ مفهوم الحرية في الإسلام:
لغة: ضد العبودية، واصطلاحا: ما منحه الله تعالى للإنسان من إمكانية التصرف الإرادي المجرد عن كل ضغط أو إكراه.
ويعتبرها الإسلام ضرورة إنسانية، وفريضة إلهية، وتكليف شرعي واجب وليست مجرد حق، حيث لا يجوز لصاحبها التنازل عنها.
2 ـ مرتكزات الحرية:
إن الحديث عن الحرية يستلزم استحضار مجموعة من المرتكزات التي لا تقوم إلا بها، ومن أهمها:
- القدرة على اتخاذ القرار: بحيث يكون الإنسان مستقلا بإرادته الخاصة التي تمكنه من اتخاذ القرارات لنفسه دون تدخل إرادة أخرى تفرض عليه شيئا.
- القدرة على الاختيار: وذلك لكون الإنسان قد ميزه الله بالعقل الذي يميز به بين الخطأ والصواب، ويعرف ما يصلح له وما يناسبه ويتلاءم مع ميولاته فيختار لنفسه ما يناسبه.
- التجرد من أي ضغط أو إكراه: لا يمكن الحديث عن حرية الإنسان متى تدخلت عوامل تفرض عليه فعل شيء أو تركه، لذلك لا بد من تجرده من كل إكراه يسلب حريته.
3 ـ ضوابط الحرية:
جعل الإسلام الحرية جزءا لا يتجزأ عن كيان الإنسان، وأحاطها بمجموعة من الضوابط من أبرزها:
- العبودية لله سبحانه: فكمال الحرية في الانقياد التام لله تعالى، والانسلاخ من كل المعبودات الباطلة، والتحرر من شهوات النفس، مما يجعل الإنسان يحقق الغاية من خلقه، استجابة لقول الله تعالى: {وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون} سورة الذاريات، الآية 56.
- رضا الله تعالى: فلا ينبغي للإنسان بمقتضى حريته أن يقترف بيده ما يُسْخِط الله عز وجل، بل يعمل عل تسخير كل طاقاته في السعي إلى نيل مرضاته، وفي ذلك كمال العبودية للحق سبحانه.
- المسؤولية: فلا حرية في نظر الإسلام بدون مسؤولية وحساب، فالله تعالى مَكَّن الإنسان من حرية الاختيار، كما وفر له كل أسباب ممارسة حريته، لكنه حمَّله مقابل ذلك مسؤولية اختياره، قال عز وجل: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} سورة الزلزلة، الآية: 9.
المحور الثاني: حدود الحرية وصورها في الإسلام:
1ـ حدود الحرية:
واهِمٌ من يظن بأن للإنسان حرية مطلقة، سواء في نظر الإسلام أو في نظر أي نظام آخر، وقد رسم الإسلام للحرية حدودا تتجلي فيما يلي:
- أن لا تصطدم مع أحكام الله تعالى: فلا حرية في مخالفة شرع الله وارتكاب المعاصي والتعدي على حدوده، قال سبحانه: {تلك حدود الله، فلا تعتدوها، ومن يتعدَّ حدود الله فأولئك هم الظالمون} سورة البقرة، الآية: 227.
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه" رواه البخاري ومسلم.
- كما لا حرية في انتقاد الأحكام الشرعية، أو ترك ما لا يوافق هوى النفس، لقول الله عز وجل: {وما كان لمومن ولا مومنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخِيَرَةُ من أمرهم} سورة الأحزاب، آية: 36.
- أن لا تضر بنفس الإنسان: فلا يجوز للإنسان أن يضر بنفسه بمقتضى حريته، قال سبحانه: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلُكة} سورة البقرة، آية: 194
- أن لا تضر الحرية بالغير: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ضَرَرَ ولا ضِرَار" رواه الإمام مالك في الموطأ.
- أن لا تخل بالنظام والآداب العامة للمجتمع.
2ـ صور الحرية:
للحرية صور كثيرة من أهمها ما يلي:
- حرية اختيار العقيدة؛
- حرية الرأي والتفكير؛
- حرية التعبير؛
- حرية التملك ؛
- حرية الإرادة