السيرة النبوية دروس وعبر للدكتور مصطفى السباعي رحمه الله
الفصل الثالث: في السيرة بعد هجرة الحبشة حتى الهجرة إلى المدينة
أولا: الوقائع التاريخية
عام الحزن
في هذا العام: السنة العاشرة من البعثة توفي أبو طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان في حياته شديد الدفاع عن ابن أخيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصا على ان ينطق عمه بشهادة التوحيد قبل أن تفيض روحه، لكنه لم يوفق لذلك فمات مشركا، ولذلك حزن عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي نفس السنة توفيت خديجة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حزن عليها رسول الله أيضا حزنا شديدا، فقد كانت رضي الله عنها تخفف عن الرسول صلى الله عليه وسلم همومه وأحزانه، وتواسيه، فكانت نعم الزوجة الصالحة، ولهذا سمي هذا العام الذي مات فيه عمه أبو طالب، وزوجه خديجة: "عام الحزن."
رحلة الطائف:
بعد وفاة أبي طالب الذي كان يوفر الحماية للنبي صلى الله عليه وسلم ازداد أذى المشركين تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولم تعد مكة مكانا آمنا للدعوة، فتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لعله يجد من يقبل دعوته وينتصر لها، لكن أهل الطائف قد خيبوا ظنه فيهم، إذ لم يستجيبوا له، بل أغروا به صبيانهم، وضربوه بالحجارة حتى سال الدم من قدميه الطاهرتين.
وقوع معجزة الإسراء والمعراج
بعد أن مرت بالنبي صلى الله عليه سلم محن كثيرة في هذه الفترة أكرمه الله تعالى بمعجزة عظيمة، جاءت بقدر الله وبحكمة الله قصد تسلية روحه والتخفيف عليه من آلامه، حيث أُسْرِي بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عُرِجَ به إلى السموات العلى، ثم عاد إلى بيته في مكة في نفس الليلة، وأخبر قريشا بأمر المعجزة، فاستهزأت وسخرت منه وصدَّقه أبو بكر رضي الله عنه وأقوياء الإيمان، وفي ليلة الإسراء والمعراج فرضت الصلوات الخمس على كل مسلم بالغ عاقل.
بدء إسلام الأنصار:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض دعوته على الناس، وكان يستغل مواطن اجتماعهم، ومن أهمها: موسم الحج، وفي أثناء مرور الرسول صلى الله عليه وسلم على القبائل في أحد هذه المواسم لدعوتهم إلى الإسلام وترك عبادة الأوثان، وبينما هو عند العقبة التي تُرمى عندها الجمار، لقي رهطا من الأوس والخزرج، وكان عددهم سبعة فدعاهم إلى الإسلام، فأسلموا، وقالوا: إنا تركنا قومنا بينهم من العداوة ما بينهم، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك، ووعدوه أن يقابلوه في الموسم المقبل، وهذا هو بدء الإسلام لعرب يثرب (يثرب هو اسم المدينة قبل الهجرة)
بيعة العقبة الأولى:
وفي العام المقبل (سنة 12من البعثة) قدم اثنا عشر رجلا من الأنصار، فاجتمعوا بالنبي كما واعدوه، وبايعوه على أن لا يشركوا بالله شيئا، ولا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يقتلوا أولادهم، ولا يأتون ببهتان يفترونه من بين أيديهم وأرجلهم، ولا يعصونه في معروف، فإن وفوا فلهم الجنة، وإن غشوا من ذلك شيئا فأمْرهم إلى الله عز وجل، إن شاء غفر لهم، وإن شاء عذبهم. وهذه هي بيعة العقبة الأولى. وأرسل معهم الصحابي الجليل مصعب بن عمير إلى المدينة ليقرئ المسلمين فيها القرآن، ويعلمهم الإسلام، فانتشر الإسلام في المدينة انتشارا كبيرا.
بيعة العقبة الثانية:
ولما كان موسم الحج من العام الذي يلي البيعة الأولى (13 من البعثة) حضر من الأنصار جماعة في موسم الحج، فاجتمعوا بالنبي ليلا عند العقبة مستخفين، وكانوا سبعين رجلا وامرأتين، وبايعوه على النصرة والتأييد، وعلى أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم، ثم عادوا إلى المدينة بعد أن اختار منهم اثني عشر نقيبا يكونون على قومهم، عادوا وهم ينتظرون هجرته من مكة وقدومه إليهم.
ثانيا: الدروس والعبر المستخلصة
يستفاد من هذالفصل دروس وعبر عظيمة من أهمها ما يلي:
ـ حماية أبي طالب (وهو غير مسلم) للنبي يدل على أن الحق ظاهر دائما، وأن الفطرة تميل دائما إلى الحق وسلوك العقل.
ـ الزوجة الصالحة دعامة أساس في نجاح الفكرة التي يؤمن بها الإنسان.
ـ إن المرأة ومنذ عهد البعثة تحملت مسؤولية في الدعوة إلى الله، بطرق شتى وبأشكال مختلفة مما يؤكد فعاليتها وقوتها في المجتمع.
ـ عدم تأثير الحزن على الرسول وثنيه عن مهمته، تربية على عدم الاستسلام للمشاعر، في الثبات على قيم العدل والحق.
ـ المواجهة العنيفة وسلوك الإرهاب والعنف لا يمكن أن يؤدي إلى زعزعة الحق والوقوف بجانب الباطل.
ـ سلوك الحوار وتقديم القدوة خير سبيل للانفتاح على الآخر المخالف للعقيدة.
ـ ربط قضية المسجد الأقصى وما حوله بقضية العالم الإسلامي، وعدم التفريط فيه.
ـ قدرة الله تعالى اللامتناهية في إمكانية الإسراء والمعراج في ليلة واحدة بروح النبي وجسده...
ـ معجزة الإسراء والمعراج تكريم من الله تعالى لنبيه وتجديد لعزيمته وثباته.
ـ في فرض الصلاة ليلة الإسراء والمعراج إشارة إلى الحكمة التي من أجلها شرعت الصلاة، فكأن الله يقول لعباده المؤمنين: إذا كان معراج رسولكم بجسمه وروحه إلى السماء معجزة، فليكن لكم في كل يوم خمس مرات معراج تعرج فيه أرواحكم وقلوبكم إلي.
ـ في عرض الرسول نفسه على القبائل في موسم الحج دليل على أن الدعاية والدعوة لا تقتصر على مجمع أو مجتمع أو بيئة معينة. ـ عدم اليأس في طلب الحق والثبات عليه.
تابع القراءة
ملخص الفصل الأول
ملخص الفصل الثاني
ملخص الفصل الثالث
ملخص الفصل الرابع
ملخص الفصل الخامس