الاستجابة: مقاصد الشريعة الإسلامية
النصوص الوظيفية:
1ـ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾. سورة المؤمنون: الأيتان: 116- 117.
2ـ قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى: «وَمَقْصُودُ الشَّرْعِ مِنْ الْخَلْقِ خَمْسَةٌ: وَهُوَ أَنْ يَحْفَظَ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَنَفْسَهُمْ وَعَقْلَهُمْ وَنَسْلَهُمْ وَمَالَهُمْ، فَكُلُّ مَا يَتَضَمَّنُ حِفْظَ هَذِهِ الْأُصُولِ الْخَمْسَةِ فَهُوَ مَصْلَحَةٌ، وَكُلُّ مَا يُفَوِّتُ هَذِهِ الْأُصُولَ فَهُوَ مَفْسَدَةٌ وَدَفْعُهَا مَصْلَحَةٌ». المستصفى للغزالي، الجزء2: ص: 284.
الكلمات المفاتيح:
ـ عبثا: باطلا بدون هدف ولا مقصد
ـ المصلحة: المنفعة وضدها المفسدة والمضرة
ـ دفعها: رفعها وإزالتها.
معاني النصوص:
النص 1: بيان الله تعالى أنه المَلِك الحق، وأن أفعاله منزهة عن العبث، وأن خلق الإنسان له غاية ومقصد.
النص2: ذكر أبي حامد الغزالي للأصول الخمسة التي قصد الشرع حفظها على الخلق.
المحور الأول: الشريعة الإسلامية عدل ورحمة وكفالة لحقوق الإنسان:
1ـ مفهوم مقاصد الشريعة الإسلامية:
مقاصد الشريعة: المقاصد: لغة: جمع مقصد، وهو الهدف والغاية، واصطلاحا: هي الحِكَم والأهداف والغايات التي قصدها الله تعالى من وضع الشريعة لتحقيق عبوديته وحفظ مصالح العباد في الدارين (الأولى والآخرة).
2ـ أهمية دراسة مقاصد الشريعة الإسلامية:
قال الإمام الشاطبي رحمه الله: "المقاصد أرواح الأعمال" فمعرفة الإنسان للغايات والحِكم من تشريع الأحكام له فوائد عظيمة منها:
- زيادة الإيمان وترسيخ حكمة الله تعالى في نفس المخاطَب بأحكام الشريعة؛
- يقوي الاعتزاز بالدين من خلال النظر إلى مواطن الحكمة فيه؛
- يعين على الدعوة إلى الله، حيث بعلم المقاصد نبين لغير المسلمين مقصود الله تعالى من وضع أحكام الشريعة، مما يزيد الإنسان الاقتناع بها؛
- أنها تعين الفقيه المجتهد في إيجاد الأحكام للنوازل المستجدة، لأنها بوصلته التي تحدد له الوجهة الصحيحة، وتعصِمه من الزيغ.
المحور الثاني: أقسام مقاصد الشريعة الإسلامية:
تنقسم المقاصد التي تسعى الشريعة لتحصيلها إلى ثلاثة أنواع:
القسم الأول: الضروريات:
وهي مصالح الإنسان الأساسية التي هي عماد حياته، وبها صلاح دنياه وآخرته، بحيث إذا فقدت حل الفساد في الدنيا والعذاب في الآخرة، وهي الكليات الخمس التي جاءت أحكام الشريعة الإسلامية بحفظها.
وحفظها يكون بأمرين:
من جانب الوجود: بإقامة أصولها وتثبيت قواعدها، ومن جانب العدم: بمنع كل ما يؤدي إلى الإضرار بها أو إزالتها وهي كالتالي:
1ـ حفظ الدين:
ـ من جانب الوجود: بإقامة أركانه وتثبيت قواعده، فشرع الله أصول العقائد كالتوحيد والإيمان، والعبادات كالصلاة والزكاة والصوم، والحج.
ـ من جانب العدم: وذلك بمنع كل ما يؤثر على الدين ويعارضه كالشرك والإلحاد والبدع، وتشريع الجهاد لقتال المحاربين المعتدين على الدين.
2ـ حفظ النفس:
ـ من جانب الوجود: وذلك بتناول الطعام والشراب، واتخاذ الملبس والمسكن مما يتوقف عليه بقاء الحياة وصون الأبدان وحمايتها.
ـ من جانب العدم: بتحريم القتل وتشريع عقوبة القِصَاص على كل من سولت له نفسه الاعتداء على النفس.
3ـ حفظ العقل:
ـ من جانب الوجود: حيث دعا الإسلام إلى ضرورة إعمال العقل، وتوجيه النظر إلى التفكر وتنميته بالعلم والمعرفة.
ـ من جانب العدم: حرم الشرع كل ما يؤثر على العقل سلبا ويذهبه كالمسكرات، قال صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر خمر وكل خمر حرام" وشرع العقوبة على مرتكبها.
4ـ حفظ العِرض:
ـ من جانب الوجود: وذلك بتشريع ما يحفظ شرف الإنسان ونسلَه من طريق فطري نظيف، فشرع النكاح واعتنى بالأسرة فشرع أحكام النفقة والحضانة وغيرها.
ـ من جانب العدم: بتشريع العقوبة في حق من يسعى إلى اختلاط الأنساب، وشيوع الفاحشة، فشرع حد الزنا والقذف.
5ـ حفظ المال:
ـ من جانب الوجود: وذلك من خلال الحث على ضرورة تنمية المال بالكسب الطيب والرزق الحلال.
ـ من جانب العدم: بتحريم الاعتداء على المال وما يؤثر عليه، فحرم الربا، والغش، والقمار، وشرع حد السرقة.
القسم الثاني: الحاجيات:
وهي المصالح التي يحتاج إليها الناس من حيث التوسعة، ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة عند فقدانها، ولكن لا يبلغ مبلغ الفساد بفقدان الضروريات، وقد شرع الإسلام مجموعة من الأحكام لرفع الحرج والتيسير على الناس:
ـ في العبادات: قصر الصلاة وجمعها للمسافر، والإفطار للمريض والمسافر، والتيمم للعاجز عن استعمال الماء …
ـ في المعاملات: أباحت الشريعة العقود التي تحقق حاجات الناس من البيع والكراء والإجارة والرهن والضمان …
ـ في العادات: أبيح الصيد والتمتع بالطيبات مما هو حلال مأكلا ومشربا وملبسا ومركبا …
القسم الثالث: التحسينيات:
وهي الأخذ بمحاسن العادات ومكارم الأخلاق، ويحتاج الناس إليها لتيسير حياتهم على أكمل وجه، وفقدانها لا يلحق المشقة والحرج بالناس، لكن انعدامها يجعل حياتهم مستقبحة في تقدير الشرع والعقلاء، وقد شرع الإسلام مجموعة من الأحكام لتحقيقها:
ـ في العبادات: شرعت الطهارة وستر العورة في الصلاة، وأخذ الزينة من اللباس والطيب عند كل مسجد؛
ـ في المعاملات: حرم النجاسات والمضار، وحرم الإسراف والبيع على البيع والخطبة على الخطبة؛
ـ في العادات: أرشد الشرع إلى آداب الأكل والشرب والنوم وغيرها.
المحور الثالث: آثار المعرفة بمقاصد الشريعة الإسلامية
وظيفة مصلحية:
حيث تقوم المقاصد على حفظ مصالح العباد، عن طريق جلب المنافع لهم، ودفع المفاسد والمضار عنهم.
وظيفة بيانية:
إذ من خلال مقاصد الشريعة الإسلامية، نبين أحكام الشرع بضرورياته وحاجياته وتحسينياته ونميز بينها.
وظيفة تشريعية:
فالمجتهد يبني الأحكام على القضايا المستجدة بعلم المقاصد، فما كان منها منافيا لها يحرمه، وما كان يجري مجراها يبيحه ويجوزه.
وظيفة حقوقية:
فقد ضمنت لنا حفظ الحقوق وصونها، ولولا ذلك لانتُهكت الحقوق واستبيحت الحرمات.