التوحيد والحرية:
نصوص الانطلاق:
قال الله سبحانه: { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ا۪بْرَٰهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِۦ مَا تَعْبُدُونَۖ (70) قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماٗ فَنَظَلُّ لَهَا عَٰكِفِينَۖ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمُۥٓ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنفَعُونَكُمُۥٓ أَوْ يَضُرُّونَۖ (73) قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَۖ (74) قَالَ أَفَرَٰٓيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُمُ اُ۬لَاقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوّٞ لِّيَ إِلَّا رَبَّ اَ۬لْعَٰلَمِينَ (77) اَ۬لذِے خَلَقَنِے فَهُوَ يَهْدِينِۖ (78) وَالذِے هُوَ يُطْعِمُنِے وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِۖ (80) وَالذِے يُمِيتُنِے ثُمَّ يُحْيِينِۖ (81) ۞وَالذِےٓ أَطْمَعُ أَنْ يَّغْفِرَ لِے خَطِيَٓٔتِے يَوْمَ اَ۬لدِّينِۖ (82)}
شرح المفردات:
لها عاكفين: مقيمين على عبادتها.
آباؤكم الأقدمون: أجدادكم.
المعنى المستفاد:
تبرؤ إبراهيم عليه السلام مما عليه قومه من الشرك الذي ورثوه عن آبائهم، مع إبراز بعض صفات الله الواحد المستحق للعبادة.
المحور الأول: التوحيد سبيل العبد إلى الحرية:
1ـ مفهوم التوحيد
التوحيد لغة: من فعل وحد يوحد أي جعل الشيء واحدا غير متعدد.
ـ اصطلاحا: إفراد الخالق سبحانه بالعبادة مع الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى واحد في ذاته وأفعاله وصفاته، لا شريك له في ملكه وتدبيره.
ويعرف أيضا بـ ـ الاعتقاد بوحدانية الله تعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.
توحيد الله في ربوبيته: إفراد الله بأفعاله، كالخلق والملك والتدبير. قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} الزمر 62.
توحيد الله في ألوهيته: إفراد الله بالعبادة، كالدعاء والنحر والتوكل. قال تعال: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}. سورة الكهف 105
توحيد الله في أسمائه وصفاته: إفراد الله تعالى بأسمائه وصفاته الثابتة بالوحي من غير تمثيل ولا تعطيل، قال تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}ُ) سورة الشورى 11
2ـ مفهوم الحرية:
الحرية: لغة ضد العبودية؛
هي استقلال إرادة الإنسان وعدم خضوعه لا لسلطان هوى النفس ولا سلطان الغير مع التحرر من كل القيود التي تستولي على طاقاته وفكره، مادية كانت أو معنوية.
3ـ علاقة التوحيد بالحرية
بين التوحيد والحرية علاقة ترابط لازم، إذ التوحيد هو الكفيل بتحرير الإنسان، ويمكن القول بأن الحرية ثمرة من ثمرات التوحيد.
فإعلان التوحيد ثورة على كل أنواع الاستعباد أو الخضوع لغير الله
المحور الثاني: مظاهر تحرير التوحيد للإنسان
1ـ تحرير الإنسان من كل أصناف الرق والعبودية
وذلك بتحريره من الخضوع للغير، وعدم استعباده له، مهما كان لونه أو جنسه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحِدٌ ألا لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إنَّ أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُمْ"
"الناس من آدم وآدم من تراب"
2ـ تحرير الإنسان من الخرافات
عندما يحقق الإنسان التوحيد فإنه يعتقد جازما بقلبه أنه لا ينفع ولا يضر إلا الله، وأن الأرزاق بيد الله، وأن الأموات لن ينفعوه بشيء، يطمئن قلبه، ويوثق صلته بالله تعالى، وبذلك يتحرر من كل الخرافات والأساطير التي تكرسها الثقافات الشعبية...
3ـ تحرير عقل الإنسان وفكره من التبعية والتقليد الأعمى
توحيد الله تعالى يدعوا إلى إعمال العقل، وعدم التسليم لكل ما خلفه الأجداد من ثقافات وتقاليد، الأمر الذي يحرر فكر الإنسان من التقليد الأعمى، وذلك بنقد تلك الثقافات والبحث عن أصولها، فلا يُحتفظ إلا بما يوافق فطرة الإنسان، وله أصل ثابت في الشرع، بل وتصحح من كل تغيير طرأ عليها.
4ـ تحرير الإنسان من سيطرة الهوى وسلطان الغرائز
توحيد الله تعالى يهذب غرائز النفس، ويمنعها من الانغماس في الملذات والشهوات، وذلك من خلال تزكيتها بربطها بخالقها، واستحضار مراقبته، مما يجعل سلوك العبد منضبطا لتعاليم الشرع، ويحصل ذلك للإنسان عندما يفهم معنى الحياة، ويدرك فلسفة الوجود، وحقيقة التوحيد.