درس حق النفس الاستقامة، مدخل القسط، الجذع المشترك.
خلق الله تعالى بني آدم وسخر لهم ما في البر والبحر ورزقهم من الطيبات وفضلهم على كثير من خلقه، وزين لهم الحياة الدنيا واختبرهم بملذاتها وشهواتها لينظر كيف يعملون، قال عز وجل: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} سورة الكهف، الآية:7
وقد بين الله تعالى للناس طريق الرشاد وزودهم بالنصائح التي تمكنهم من الاستقامة على طريقه الذي فيه صلاح دينهم ودنياهم.
فما معنى الاستقامة؟ وما مجالاتها؟ وما الطرق المعينة على تحقيقها؟ وما ثمراتها؟
نصوص الانطلاق:
قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ سورة فصِّلت، الآية: 30.
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا﴾ سورة الجن، الآية: 16.
وعن عبد الله بن سفيان الثقفي عن لأبيه أن رجلا قال: " يا رَسولَ اللهِ، قُلْ لي في الإسْلامِ قَوْلًا لا أسْأَلُ عنْه أحَدًا بَعْدَكَ، وفي حَديثِ أبِي أُسامَةَ غَيْرَكَ، قالَ: قُلْ: آمَنْتُ باللَّهِ، ثم اسْتَقِمْ." رواه مسلم في صحيحه.
معاني الكلمات والعبارات:
- استقاموا: امتثلوا طريق الله؛
- توعدون: ما وعدكم الله، والوعد يكون في الخير دائما؛
- الطريقة: طريق الصلاح؛
- ماء غذقا: ماء طاهرا كثيرا
معاني النصوص:
- بيان الحق عز وجل جزاء المستقيمين على طريقه؛
- ذكر الله تعالى بعض ثمرات الاستقامة؛
- بيان النبي صلى الله عليه وسلم فضل الاستقامة ومكانتها في الإسلام.
المحور الأول: مفهوم الاستقامة ومجالاتها:
1ـ مفهوم الاستقامة:
الاستقامة لغة: الاعتدال والاستواء.
اصطلاحا: اتباع طريق الحق التي شرعها الله لعباده، وذلك بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، باعتدال ووسطية، قال الحق عز وجل: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ سورة هود، الآية: 112.
2ـ مجالات الاستقامة:
الاستقامة في الاعتقاد: ويتحقق ذلك بالعلم بالله تعالى والإيمان به، والإيمان بالكتب والرسل واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، والتصديق بكل الغيبيات التي أخبر الله ورسوله، كالجنة والنار والصراط والميزان وغيرها.
الاستقامة في القول: وذلك بحفظ اللسان وكفه إلا فيما ينبغي، لان خطره عظيم، فعن انس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَسْتَقيمُ إِيمانُ عبدٍ حتَّى يَستَقيمَ قلبُه، ولا يَسْتَقيمُ قلبُه حتَّى يَستَقيمَ لسانُه، ولا يدخُلُ الجنَّةَ رجُلٌ لا يَأْمَنُ جارُه بَوائِقَه" صحيح الترغيب والترهيب.
الاستقامة في العمل: وذلك بتسخير العبد جوارحه في طاعة الله تعالى، باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه.
المحور الثاني: الطرق المعينة على الاستقامة، وثمراتها
1ـ الطرق المعينة على الاستقامة:
الإخلاص لله في العبادة: أن يجعل العبد كل اعماله خالصة لله وحده لا يريد بها سمعة ولا رياء، والإخلاص روح العمل وعنوان الاستقامة الحقة، قال عز وجل: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾.
الدعاء وطلب العون من الله تعالى: فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطلب من الله دائما أن يعينه على دينه: فعن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُكثرُ أن يقولَ يا مقلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبِي على دينِك فقلت يا نبيَّ اللهِ آمنَّا بك وبما جئتَ به فهل تخافُ علينا؟ قال نعم إن القلوبَ بينَ إصبعينِ من أصابعِ اللهِ يُقلِّبُها كيفَ يشاءُ"
الرفقة الصالحة: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" المرءُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم مَن يُخاللُ" رواه أبو داود
الاستغفار والتوبة: وذلك بالإقلاع عن الذنب مع الندم عليه والعزم على عدم العودة، فمهما أخطا الإنسان فإن الله تعالى غفور رحيم يتوب على من تاب إليه: قال عز وحل: ﴿ ۞ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ سورة الزُّمر، الآية: 50.
2ـ ثمرات الاستقامة:
للاستقامة آثار وثمرات كثيرة على الفرد والمجتمع ومن أهم هذه الثمرات ما يلي:
- الفوز بوعد الله تعالى بدخول الجنة؛
- حصول الأمن والطمأنينة؛
- الزيادة وحصول البركة في الرزق؛
- عيش حياة هنية طيبة؛
- نيل محبة الله تعالى ورضاه؛
- كسب ود الناس ومحبتهم.
أتمثل القيم:
- أستقيم على طريق الله تعالى لأفوز برضاه وأدخل جنته؛
- أستغفر الله تعالى وأتوب إليه كلما وقعت في الذنب؛
- أتخذ لنفسي رفيقا صالحا يدلني على الخير ويبعدني عن الشر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نصوص إثرائية:
قال الله تبارك وتعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ سورة النحل، الآية: 97.
وقال جل جلاله: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾ سورة نوح، الآيات: 10ـ 11ـ 12.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللَّهَ إذا أحَبَّ عَبْدًا دَعا جِبْرِيلَ فقالَ: إنِّي أُحِبُّ فُلانًا فأحِبَّهُ، قالَ: فيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنادِي في السَّماءِ فيَقولُ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فأحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أهْلُ السَّماءِ، قالَ ثُمَّ يُوضَعُ له القَبُولُ في الأرْضِ، وإذا أبْغَضَ عَبْدًا دَعا جِبْرِيلَ فيَقولُ: إنِّي أُبْغِضُ فُلانًا فأبْغِضْهُ، قالَ فيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنادِي في أهْلِ السَّماءِ إنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلانًا فأبْغِضُوهُ، قالَ: فيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ له البَغْضاءُ في الأرْضِ" رواه البخاري في صحيحيه.