مدخل الحكمة: الرفقة الصالحة
النصوص المؤطرة للدرس:
قال الله عز وجل: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ سورة الزخرف، الآية: 67
قال الله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا، يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا،لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا ﴾ سورة الفرقان : 27-29
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "إنما مثل الجليس الصالح وجليسِ السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحْذِيك، وإما أن تَبْتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة" رواه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب.
شرح المفردات:
الاخلاء: الأحباء.
يُحذِيَك: يعطيك من رائحة مسكه الزكية.
نافخ الكير: الحداد، والكير آلة تستعمل للنفخ على النار.
تبتاع منه: تشتري منه .
المستفاد من النصوص:
- بيان الحق سبحانه مآل الصحبة يوم القيامة، الصالحة منها والسيئة.
- بيان الله تعالى شدة تحسر الظالم يوم القيامة بسبب تخليه عن الحق وإعراضه عن مصاحبة الصالحين، وندمه الشديد على مسايرته رفقاء السوء.
- بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم فضيلة الجليس الصالح، وعاقبة مصاحبة جليس السوء.
المحور الأول: مفهوم الرفقة الصالحة والحث عليها
1 – مفهوم الرفقة الصالحة:
-الرفقة: تطلق على الجماعة في مجلس واحد، أو في سفر، يقومون معا، وينزلون معاً لا يتفرقون، وتطلق أيضا على الصحبة وهي: المعاشرة والملازمة.
والرفقة الصالحة: كل صداقة أُقيمت على أسس شرعية وقيم وأخلاق، هدفها تحقيق مصلحة الفرد في الدنيا والآخرة.
2- الحث على الرفقة الصالحة:
أمرنا الله تعالى في كثير من الآيات في كتابه الحكيم بأن نتحرى الرفقة الصالحة، لما لها من دور كبير في ترسيخ قيم التناصح والتعاون والإرشاد، فالرفيق الصالح يأخذ بيدك إلى طريق الحق، ويقدم لك المساعدة عند الحاجة قال تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ سورة التوبة، الآية:72
كما حذّرنا النبي صلى الله عليه وسلم من رفقاء السوء، لِمَا في صحبتهم من الداء، وفي مجالستهم من الوباء، قال ﷺ: ((لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تَقِيّ))؛ رواه الإمام أحمد والترمذي.
المحور الثاني: معايير اختيار الرفقة الصالحة وثمارها.
1– معايير اختيار الرفقة الصالحة:
ليس كل إنسان يصلح لأن يكون رفيقا في دروب الحياة، لذلك يجب انتقاء الأخيار، ذوي الصفات الحميدة التي تجعل منهم رفقاء صالحين، يأخذون بأيدي أصحابهم إلى كل خير، ويبعدونهم عن كل شر. ومن صفات الرفيق الصالح ما يلي:
- أن يكون ذا دين وخلق. قال صلى الله عليه وسلم: "المَرءُ على دين خليلة فلينظر أحدكم من يُخالل" أي من يصاحب. أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الزُّهد.
- أن يكون خير عون لك في الشدة وفي الرخاء. قال صلى الله عليه وسلم "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره" سنن الترمذي
- أن يتصف بالصدق والأمانة، والوفاء، والجد، والنصح.
- أن تكون صحبته خالصة لله تعالى غير مقتصرة على تحقيق المصالح الدنيوية فقط.
2– ثمار الرفقة الصالحة:
تعود الرفقة الصالحة على الفرد بمنافع كثيرة، كما أن ثمارها تنعكس إيجابا على المجتمع، ومن أهم فوائدها ما يلي:
- تبصير الصاحب لصاحبه، وتنبيهه على زَلَّاته. قال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن مرآة أخيه". أخرجه البخاري في الأدب المفرد، باب المسلم مرآة أخيه.
- حصول المواساة بين الرفقاء وتفقد أحوال بعضهم البعض: قال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّىّ" رواه مسلم.
- التحاب في الله يوجب محبة الله تعالى للمتحابين فيه. قال الله تعالى في الحديث القدسي
- "وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ". رواه الإمام أحمد في مسنده.
إثراء الدرس:
قال عز وجل في سورة الكهف: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ سورة الكهف، الآية: 28.
في هذه الآية الكريمة دعوة للنبي صلى الله عليه وسلم من ربه للإعراض عن أصحاب الشهوات المعرضين عن ذكر الله، وحبس نفسه من المؤمنين الصادقين الذين يشغلون انفسهم بذكر الله تعالى صباحا ومساء.
ومن هنا يتبين لنا أهمية الرفقة الصالحة ودورها في حفظ إيمان العبد، وإعانته على الطريق المستقيم.