مدخل الحكمة: الإسلام وبناء الحضارة الإنسانية
وضعية مشكلة:
عاد كريم من الديار الأوربية لقضاء عطلة الصيف مع العائلة، فبدأ يحكي لهم عن مدى إعجابه بالتقدم الذي وصل إليه أولئك، حيث قال: حضارة متطورة ومزدهرة هناك، حقيقة كلما جئت هنا أحس وكأننا نعيش في كوكب آخر؛
فرد زيد قائلا: لعل المظاهر قد غرتك يا كريم، الحمد لله على حضارة الإسلام، فالحضارة ليست في البنايات الشاهقة، والشوارع الواسعة، وإنما في المبادئ ولثقافة والسلوك.
ـ حدد موقفك من كلا الرأيين مع التعليل
النصوص المؤطرة للدرس:
قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ سورة الحجرات، الآية: 13.
وقال سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران، الآية: 63.
شرح الكلمات القرآنية:
- إن أكرمكم: أفضلكم وأحسنكم عند الله؛
- أهل الكتاب: اليهود والنصارى؛
- كلمة سواء: كلمة حق وعدل نتبعها جميعا؛
- أربابا من دون الله: آلهة من دون الله.
معاني النصوص:
ـ تذكير الله تعالى عباده بأصل خلقهم، مع بيانه معيار التفاضل بينهم وهو تقوى الله تعالى؛
ـ دعوة غير المسلمين إلى العقيدة الصحيحة من أسس بناء الحضارة الإنسانية.
المحور الأول: مفهوم الحضارة الإنسانية
1ـ مفهوم الحضارة:
لغة: من الحضَر فهي خلاف البدو والبداوة والبادية.
اصطلاحا: هي الصورة الحاضرة التي يبدعها الإنسان لما يعتقده في الكون والحياة.
2ـ مفهوم الإنسانية:
لغة: خصائص الجنس البشري التي تميزه عن البهيمية أو الحيوانية.
اصطلاحا: الخصائص التي يتصف بها الفرد أو الجماعة في إطار من الوعي الاجتماعي، والتي ترتقي به لتحقيق الكمال البشري.
3- مفهوم الحضارة الإنسانية:
كل إنتاج أو عمل بشري تنعكس فيه الخصائص الفكرية والوجدانية والسلوكية للإنسان في إطارات من القيم والمبادئ العليا التي تسعد البشرية جميعا.
المحور الثاني: الإسلام وبناء الحضارة الإنسانية:
1ـ منطلقات وأسس بناء الحضارة الإنسانية في الإسلام:
- تكريم الإنسان: إن أول خطوة خطاها الإسلام في بناء الحضارة الإنسانية انطلاقه من الإنسان، وذلك بتفضيله وتشريفه والقطع مع كل مظاهر العنصرية وكل ما من شأنه أن يمس بكرامته، قال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } الحجرات 13.
- الدعوة إلى العقيدة الصحيحة: وذلك بإقامة أواصر الحوار مع المخالف ودعوته إلى وحدانية الله بالتي هي أحسن، لأن الإسلام يسعى لبناء حضارة إنسانية تحقق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، لأن إسعاد البشر أقصى غايات الحضارة الإسلامية.
- احترام المخالف وصون حقوقه: فالحضارة الإسلامية تصون حقوق الإنسان المسلم وغير المسلم بل حتى الملحد الذي لا دين له، ولا يجوز الاعتداء عليه ما لم يصدر منه عداء تجاه المسلمين أو ينتهك حرماتهم؛
- الانفتاح على الثقافات الأخرى والاستفادة منها: قال صلى الله عليه وسلم: "الحكمةُ ضالةُ المؤمنِ حيثما وجدها فهو أحقُّ بهاْ"
- الدعوة إلى العمل ونبذ الكسل: من المبادئ التي تقوم عليها حضارة الإسلام الدعوة إلى الاجتهاد في العمل وبذر الخير، وعدم اليأس، وإن تحقق للإنسان أنه قد لا يدرك ثمرة عمله، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا".
2ـ من مميزات الحضارة الإسلامية
- استمداد شرائعها وأسس تقدمها من الوحي الإلهي؛
- انبثاق قيمها من القرآن الكريم والسنة النبوية؛
- التوازن بين جميع الأبعاد الإنسانية لبناء الحضارة (البعد الأخلاقي، البعد التقدمي، البعد الديني، البعد الثقافي.
- اعتماد المسؤولية والمحاسبة الحضارية للإنسان؛
- الحث على طلب العلم والاجتهاد في تحصيله؛
- الانفتاح على خبرات الآخرين والاستفادة منها دون التأثر بقيمهم وعاداتهم...
إثراء الدرس:
من خلال تعريفنا للحضارة بكونها الصورة الحاضرة التي يبدعها الإنسان لما يعتقده في الكون والحياة، يمكن القول بأنه ما من مجموعة بشرية تسكن رقعة جغرافية إلا ولها حضارتها الخاصة بها، أما ما أُعْجِبَ به كريم كما جاء في الوضعية أعلاه فيمكن أن نسميه بالمدَنِيَّة المتمثلة في العمران، والتي تعتبر ـ طبعا ـ جزءا لا يتجزأ عن الحضارة، ولكن لا تعتبر وحدها هي الحضارة .
فالغرب لهم حضارتهم، كما أن المسلمين لهم حضارتهم الخاصة بهم، ويبقى السؤال الذي ينبغي أن نطرحه، ما هي الحضارة التي يمكننا ان نصفها بالحضارة المتقدمة؟ ما دمنا نقول بأن كل شعب في مكان معين له حضارته الخاصة.
والجواب أنه للحكم عن مدى تقدم أية حضارة كيفما كانت ينبغي النظر في الأسس والمنطلقات التي بُنيت عليها، ومدى خدمتها للإنسان وتحقيق كرامته.
ويبقى النموذج المثالي للحضارة: تلك الحضارة التي بُنيت على أساس العقيدة الصحيحة والأخلاق الحميدة، وعلى أساس العدل والمساواة، وحفظ حقوق الإنسان، مما يحقق له السعادة في الدنيا والآخرة، وهذا النموذج لا يمكننا أن نجده إلا في تلك الحضارة التي بناها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالعبرة بتكريم الإنسان وليس بالبناء والعمران وحده.