مدخل التزكية(العقيدة) ـ الإيمان والفلسفة
الوضعية
الإشكال المطروح:
نصوص الانطلاق:
قال الله تعالى: {لقد كان في يوسف وإخوته
آيات للسائلين} سورة يوسف
قال عز وجل: {وكأي من آية في السماوات والأرض
يمرون عليها وهم معرضون}
معاني النصوص:
ـ الدعوة إلى إخذ العبرة من خلال النظر في قصة يوسف وإخوته، والتي تتحقق بالنظر والتفكر وإعمال العقل فيها؛
ـ ذم الله تعالى للمعرضين عن التفكر في آياته
المبثوثة في الكون.
المحور الأول: مفهوم الإيمان والفلسفة
1ـ تعريف الإيمان:
الإيمان لغة: التصديق، واصطلاحا: هو قول باللسان، وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
2ـ تعريف الفلسفة:
ليس هناك تعريف نهائي للفلسفة، والفلسفة
مأخوذة من اللفظ اليوناني فيلوسوفيا والتي تعني:
(فيلو) محب (سوفيا) الحكمة أو طلب المعرفة، أو
البحث عن الحقيقة،
وهي نمط من النظر العقلي المحض والتفكير المفهومي
القائم على الاستدلالات المنطقية والبرهانية.
-الإحاطة
بالمعلومات والتجرد عن الجسمانيات عبر تعميق السؤالات.
قال أرسطو: «إن الفلسفة
ترتبط بماهية الانسان التي تجعله يرغب بطبيعته في المعرفة»
وقال ابن رشد: "فعل الفلسفة ليس شيئا
أكثر من النظر في الموجودات، واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع"
2- مباحث
الفلسفة:
أ-مبحث الوجود: كل ما هو موجود في العالم سواء
أدركته الحواس أم لا. (الأنطولوجيا).
ب-مبحث المعرفة: يركز على علاقة الذات العارفة
بموضوع المعرفة. (الابستمولوجيا).
ج-مبحث القيم : ويتعرض لثلاث قيم أساسية وهي الحق
والخير والجمال. (الاكسولوجيا).
المحور الثاني: التفكير الفلسفي يقوي العقل ويطور التفكير:
الفلسفة تدعو دائما إلى إعمال العقل في النفس والكون، وترفض التقليد والجمود الفكري، ومن أهم خصائص التفكير الفلسفي أنه تفكير عقلاني نقدي يعتمد منهج التساؤل للبحث عن الأجوبة المقنعة، ومنهج الشك للبحث عن اليقين، وهذا ما يقوى الملكة العقلية ويطور التفكير لدى الإنسان.
المحور الثاني: المنهج الفلسفي الموضوعي وأثره في ترسيخ الإيمان:
1ـ تعريف المنهج الفلسفي الموضوعي:
هو منهج محايد، الغرض منه هو إثبات الحقيقة عن طريق النظر لكنه يقف عند حدود العقل.
2ـ كيف يرسخ المنهج الفلسفي الموضوعي الإيمان؟
إن أهم ما يسعى إليه المنهج الفلسفي الموضوعي هو الانتقال من الإنسان من المؤمن المقلد المتبع، إلى ذلك المؤمن العارف بالله، الموقن بوجوده، وذلك من خلال النظر في النظام الكوني البديع الموصل إلى اليقين في وجود الصانع، وهذا ما يثبت الإيمان في قلب العبد ويرسخه.
قال الله تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق} سورة فصلت.
وقال عز وجل: {وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون}سورة الذاريات.
فالنظر في الموجودات والتامل فيها يوصل إلى العلم بصانعها وهو الله عز وجل، ولذلك لما سُئِل الأعرابي كيف عرفت ربك؟ قال: "البعرة تدل على البعير، وآثار الأقدام تدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وارض ذات فجاج ألا تدل على اللطيف الخبير؟.
المحور الثالث: لا تعارض بين الفلسفة الراشدة والإيمان الحق
إثراء الدرس:
1ـ استعمال يوسف عليه السلام المنهج الفلسفي لأجل إقناع السجينين بوحدانية الله سبحانه، وذلك بطرحه للسؤال الاستنكاري الذي أراد من خلاله تحريك عقولهما للتفكير في حقيقة الفعل الذي يقومون به وإعادة النظر فيه، إذ يعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم.
قال الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} سورة يوسف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2ـ يقول ابن خلدون رحمه الله تعالى: "إن العقل ميزان صحيح، لكن لا تطمع أن تزن به أمور التوحيد، فإن ذلك طمع محال"
فابن خلدون يؤكد في كلامه هذا أن العقل يمكن ان نسترشد به لأنه ميزان صحيح يتحاكم إليه، إلا أن هذا الميزان لا يصلح لكل شيء، ومن الأمور التي يحار فيها العقل ويتوقف عند حدوده أمور العقيدة والتوحيد وما يدخل في الغيبيات والمسلمات، فهذه الأمور يؤمر العبد بالتسليم فيها ولا يمكنه إعمال العقل فيها وإلا وقع في الحيرة والشك.
ولذلك جاء في الأثر " تَفَكَّروا في آلاءِ اللهِ، ولا تتَفَكَّروا في اللهِ." في إسناده ضعف لكن له طرق أخرى تقويه. وذلك لأن ذات الله سبحانه لا يستطيع أحد أن يحيط بها بهما أعمل عقله.اقتباس من كتاب قصة الإيمان بين العلم والفلسفة والقرآن:
"وا رحمتاه لكم يا شباب هذا
الجيل ... أنتم المخضرمون بين مدرسة الإيمان من طريق النقل، ومدرسة الإدراك من
طريق العقل. تلوكون قشوراً من الدين، وقشوراً من الفسلفة، فيقوم في عقولكم، أن
الإيمان والفلسلفة لا يجتمعان، وأن العقل والدين لا يأتلفان، وأن الفلسفة سبيل
الإلحاد ... وما هي كذلك يا ولدي، بل هي سبيل للإيمان بالله، من طريق العقل، الذي
بُني عليه الإيمان كله. ولكن الفلسفة يا بني بحر على خلاف البحور يجد راكبُه الخطر
والزيغ في سواحله وشُطآنه والأمان والإيمان في لُججه وأعماقه ..."