درس الإيمان والفلسفة للأولى باكالوريا
recent
جديد المدونة

درس الإيمان والفلسفة للأولى باكالوريا


مدخل التزكية(العقيدة) ـ الإيمان والفلسفة


الإيمان والفلسفة

الوضعية

دخل زيد مكتبة المدرسة فوجد صديقه كريماً يقرأ كتابا بعنوان "مدخل إلى الفلسفة" فسأله عن موضوع هذا الكتاب فقال كريم: هذا الكتاب يعلمك مبادئ التفلسف يا صديقي ،ويفتح لك باب الدخول إلى رحاب هذا العلم الواسع، ثم أضاف قائلا: علم الفلسفة ينمي عقلك، ويجعلك إنسانا ترفض جمود الفكر، ويربيك على عدم الاستسلام للحقائق قبل عرضها على العقل، حيث تنطلق دائما من الشك لبناء اليقين، فقال زيد: لا حاجة لي بكل هذا صديقي، الان فهمت لماذا منع بعض العلماء تعلم الفلسفة لأنها تجعلك تشك فيما لا يحتمل الشك وهذا جعل بعض الناس يشكون في البعث وعذاب القبر وغيرها من الحقائق، وأنصحك بترك هذا الكتاب فهو بابك إلى الإلحاد لا إلى العلم...

الإشكال المطروح:

يظهر في الوضعية أن هناك خلافا في موقفي زيد وصديقه كريم حول الفلسفة.
ـ كريم يرى بأن الفلسفة مهمة للإنسان من أجل تطوير تفكيره وتقوية عقله، إضافة إلى كون الفلسفة تجعله لا يقبل بأية حقيقة كيفما كانت إلا بعد إعماله لعقله فيها.
بينما يرى زيد أن الفلسفة قد تؤدي إلى الإلحاد كونها تجعل الإنسان يشك في كل شيء، وهذا لا ريب سيؤدي إلى الشك فيما لا يحتمل الشك مما يناقض صريح الإيمان.
فما المقصود بالفلسفة؟ وما علاقتها بالإيمان؟ هل الفلسفة دائما تقودنا إلى الإيمان؟ أم أن هناك تيارات مختلفة منها  يقود إلى الإلحاد؟ وما الذي يضبط عملية التفكير لدى الإنسان حتى لا يقع فيما لا تحمد عقباه؟

نصوص الانطلاق: 

قال الله تعالى: {لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين} سورة يوسف

قال عز وجل: {وكأي من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم معرضون} سورة يوسف

معاني النصوص:

ـ الدعوة إلى إخذ العبرة من خلال النظر في قصة يوسف وإخوته، والتي تتحقق بالنظر والتفكر وإعمال العقل فيها؛

ـ ذم الله تعالى للمعرضين عن التفكر في آياته المبثوثة في الكون.

المحور الأول: مفهوم الإيمان والفلسفة

1ـ تعريف الإيمان:

الإيمان لغة: التصديق، واصطلاحا: هو قول باللسان، وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

2ـ تعريف الفلسفة:

ليس هناك تعريف نهائي للفلسفة، والفلسفة مأخوذة من اللفظ اليوناني فيلوسوفيا والتي تعني:

 (فيلو) محب (سوفيا) الحكمة أو طلب المعرفة، أو البحث عن الحقيقة،

وهي نمط من النظر العقلي المحض والتفكير المفهومي القائم على الاستدلالات المنطقية والبرهانية.

-الإحاطة بالمعلومات والتجرد عن الجسمانيات عبر تعميق السؤالات.

قال أرسطو: «إن الفلسفة ترتبط بماهية الانسان التي تجعله يرغب بطبيعته في المعرفة»

وقال ابن رشد: "فعل الفلسفة ليس شيئا أكثر من النظر في الموجودات، واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع"

2- مباحث الفلسفة:

أ-مبحث الوجود: كل ما هو موجود في العالم سواء أدركته الحواس أم لا. (الأنطولوجيا).

ب-مبحث المعرفة: يركز على علاقة الذات العارفة بموضوع المعرفة. (الابستمولوجيا).

ج-مبحث القيم : ويتعرض لثلاث قيم أساسية وهي الحق والخير والجمال. (الاكسولوجيا).

المحور الثاني: التفكير الفلسفي يقوي العقل ويطور التفكير:

الفلسفة تدعو دائما إلى إعمال العقل في النفس والكون، وترفض التقليد والجمود الفكري، ومن أهم خصائص التفكير الفلسفي أنه تفكير عقلاني نقدي يعتمد منهج التساؤل للبحث عن الأجوبة المقنعة، ومنهج الشك للبحث عن اليقين، وهذا ما يقوى الملكة العقلية ويطور التفكير لدى الإنسان.

المحور الثاني: المنهج الفلسفي الموضوعي وأثره في ترسيخ الإيمان:

1ـ تعريف المنهج الفلسفي الموضوعي:

هو منهج محايد، الغرض منه هو إثبات الحقيقة عن طريق النظر لكنه يقف عند حدود العقل.

2ـ كيف يرسخ المنهج الفلسفي الموضوعي الإيمان؟

إن أهم ما يسعى إليه المنهج الفلسفي الموضوعي هو الانتقال من الإنسان من المؤمن المقلد المتبع، إلى ذلك المؤمن العارف بالله، الموقن بوجوده، وذلك من خلال النظر في النظام الكوني البديع الموصل إلى اليقين في وجود الصانع، وهذا ما يثبت الإيمان في قلب العبد ويرسخه.

قال الله تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق} سورة فصلت.

وقال عز وجل: {وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون}سورة الذاريات.

فالنظر في الموجودات والتامل فيها يوصل إلى العلم بصانعها وهو الله عز وجل، ولذلك لما سُئِل الأعرابي كيف عرفت ربك؟ قال: "البعرة تدل على البعير، وآثار الأقدام تدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وارض ذات فجاج ألا تدل على اللطيف الخبير؟.

المحور الثالث: لا تعارض بين الفلسفة الراشدة والإيمان الحق

مفهوم الفلسفة الراشدة: هي نمط من التفكير العقلي الذي يسترشد بالوحي حيث يتم الجمع بين العقل والنقل.
أي أن هذا التفكير يستعمل العقل في التوصل إلى الحقائق لكنه يتوقف عند حدود العقل مسترشدا بنصوص الوحي.
وهذه الفلسفة توافق الدين ولا تعارضه، لأنهما يجتمعان في أهداف محددة هي إدراك الغاية من الوجود، وإثبات ما وراء الكائنات والموجودات من أسرار موصلة إلى العلم بالخالق الذي أبدع صنعها وهو الله تعالى.  
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إثراء الدرس:

استعمال يوسف عليه السلام المنهج الفلسفي لأجل إقناع السجينين بوحدانية الله سبحانه، وذلك بطرحه للسؤال الاستنكاري الذي أراد من خلاله تحريك عقولهما للتفكير في حقيقة الفعل الذي يقومون به وإعادة النظر فيه، إذ يعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم.

قال الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} سورة يوسف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يقول ابن خلدون رحمه الله تعالى: "إن العقل ميزان صحيح، لكن لا تطمع أن تزن به أمور التوحيد، فإن ذلك طمع محال"

فابن خلدون يؤكد في كلامه هذا أن العقل يمكن ان نسترشد به لأنه ميزان صحيح يتحاكم إليه، إلا أن هذا الميزان لا يصلح لكل شيء، ومن الأمور التي يحار فيها العقل ويتوقف عند حدوده أمور العقيدة والتوحيد وما يدخل في الغيبيات والمسلمات، فهذه الأمور يؤمر العبد بالتسليم فيها ولا يمكنه إعمال العقل فيها وإلا وقع في الحيرة والشك.

ولذلك جاء في الأثر " تَفَكَّروا في آلاءِ اللهِ، ولا تتَفَكَّروا في اللهِ." في إسناده ضعف لكن له طرق أخرى تقويه. وذلك لأن ذات الله سبحانه لا يستطيع أحد أن يحيط بها بهما أعمل عقله.
والخلاصة: ان العقل له حدود لا يمكنه أن يدرك حقيقة كل شيء، فمتى تبين للإنسان تعارض بين بعض المسلمات وبين عقله، فعليه بالإيمان بالمسلمات الإيمانية التي جاء بها النص الصحيح.
فإذا كانت الفلسفة تعتمد على الشك فتمة أمورا أرشدنا شرعنا إلى الإيمان والتسليم بها، فتدخل حينئذ فيما لا يحتمل الشك أبدا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3ـ الكثير من الفلسفة يؤدي إلى الإيمان، والقليل منها يؤدي إلى الإلحاد؛

اقتباس من كتاب قصة الإيمان بين العلم والفلسفة والقرآن:

"وا رحمتاه لكم يا شباب هذا الجيل ... أنتم المخضرمون بين مدرسة الإيمان من طريق النقل، ومدرسة الإدراك من طريق العقل. تلوكون قشوراً من الدين، وقشوراً من الفسلفة، فيقوم في عقولكم، أن الإيمان والفلسلفة لا يجتمعان، وأن العقل والدين لا يأتلفان، وأن الفلسفة سبيل الإلحاد ... وما هي كذلك يا ولدي، بل هي سبيل للإيمان بالله، من طريق العقل، الذي بُني عليه الإيمان كله. ولكن الفلسفة يا بني بحر على خلاف البحور يجد راكبُه الخطر والزيغ في سواحله وشُطآنه والأمان والإيمان في لُججه وأعماقه ..."

من كتاب: قصة الإيمان بين العلم والفلسفة والقرآن/ جواب الشيخ الموزون لحيران الأضعف...

google-playkhamsatmostaqltradent